قد تبدو حالات الهياج وفوران العواطف وطغيان الانفعالات أمرا مألوفا في مجتمعاتنا خصوصا في الأزمات، لكن في عالم اليوم الذي أصبحنا نعاني فيه أزمات مزمنة وحالة تتخذ طابع المأزق المعيشي الذي لا يرى الإنسان لنفسه خلاصا منه، أصبح الناس يعانون من حالة دائمة من التوتر الانفعالي تكاد يكون الأسلوب الأساسي في التعاطي مع الحياة .

حالة التوتر والقلق الانفعالي تضع الإنسان أمام حاجة ملحة للتخلص من ضغطها وما تخلقه اضطراب داخلي يصعب احتماله، اضطراب يؤدي الى تأجيج وتفجير المشاعر الأكثر ايلاما و عنفا فيظل ذلك الانسان المضطرب يعيش بحالة من الفوضى المشاعرية ،
وقد يكون “الإسقاط” أكثر الوسائل بدائية للتخلص من هذا التوتر فهو يسمح بتصريف الانفعالات من خلال صبها على الخارج، على العالم وظواهره وعلى الأشخاص والعلاقات، حيث يتلون العالم بصبغة انفعالية بقدر التوتر الداخلي الذي يحمله المرء فيرى العداء حوله في كل مكان مما يدفعه للانجراف إلى حالة من الانفعال النشط في شكل عدوان وانتقام أو الانفعال الفاتر في شكل معاناة واجترار للآلام الوجودية ، فيبدو العالم اعتباطيا وغير منطقي ويعجز الإنسان عن إدراك القوانين الموضوعية للوجود والتي يتطلب إدراكها إعمالا للعقل وضبطا للعاطفة.

انحسار العقلانية وتعطل المنطق وإلحاح الحاجة إلى حل نظرا لتأزم التوتر الداخلي يعطل التجريد العقلي الذي يشكل أرقى المظاهر الذهنية للتكيف مع الواقع والسيطرة عليه، مما يجعل الظواهر والأشياء لا تبدو بحجمها الطبيعي بل تتضخم بشكل مفرط فيركز الإنسان على المشكلة الآنية التي تبدو عندها كمسألة وجودية وأزلية ، فيتمحور الوجود حول قضايا بسيطة يستجيب لها الإنسان بشكل مفرط في انفعاليته وحدته، فتنشأ حلقة مفرغة ، فعجز العقل عن السيطرة على الواقع يفجر الانفعالات وهذه بدورها تزيد من حدة العجز!!!

العجز عن التصدي الموضوعي للمشكلات قد يدفع الإنسان للنكوص إلى مستوى الخرافة والحلول السحرية كوسيلة للخلاص و التي بدورها تؤدي إلى إضعاف التحليل العقلي والنقدي من خلال مزج الواقع بالخيال والتغاضي عن الحقائق المادية بإرجاعها إلى قوى غيبية، تلك الخرافات قد تحرم الإنسان إمكاناته في مجابهة عقلانية وموضوعية للواقع وتفرض تجسيدا معينا للانفعالات والعواطف بمختلف ألوانها و يصبح لها مكان بارز نقل المعلومات وتمثيلها وتفسير الاحداث وتعليلها، مما يعزز بقاء الخرافة متأصلة في ذهنية الانسان واعماقه و تبقى كوحش متربص بالذهن يهدم كل ما اقامته شرائع السماء ودور العلم في الأرض وهو على استعداد للانطلاق مع أي ازمة يتعرض لها الانسان في رحلة حياته.

اذن هل نفهم ان قمع الانفعال هو الاستجابة المثالية ؟؟!!

ادراك الواقع بموضوعية والاستجابة المثاليه تتطلب ضبط الانفعالات ضمن حدود معينة لا تتعداها ، حدود تمد ذهنك بالقوة الدافعة واللازمة للاهتمام بالعالم واتخاذ موقف تجاهه، بدوري أدعوك لحالة من الاتزان بين الانفعال والمنطق ، الوجدان و العقل .

حيث إن غياب الانفعالات وشح الوجدان يفقد العالم جاذبيته ويدفع بالإنسان لحالة من البرود واللامبالاة قد تصل إلى الجمود، كما أن القمع المفرط للانفعال والعقلانية المفرطة والمتزمتة تحول الإنسان حالة هوسية من التحليل والتركيز على التفاصيل تفقد الحياة حرارتها واتقادها وتحول الإنسان إلى آلة صماء أو حتى تختزله إلى مجرد ترس في آلة ضخمة!!